Mohama Saab

لم تكن القيم الإنسانية يوماً مستهدفة على النحو الذي يحصل اليوم، إذ لم يسبق أن شهد العالم حملة تستهدف هذه القيم برمّتها عبر الترويج لها والحث على العمل بموجبها بدل محاربتها والدعوة إلى التخلي عنها.

فقوى الباطل الظلامية المُهيّمنة على البشرية وبعد أن أدركت صعوبة، لا بل استحالة القضاء على الفطرة الإنسانية وعلى القيم السامية المتصلة بها، قرّرت أن تواجه الحقّ هذه المرة بطريقة مختلفة، أقلّ ما يمكن أن يُقال فيها أنها شيطانية وخدّاعة وخبيثة.

فهي تخلت عن عدائها للحق وأعلنت ولاءها له دون مواربة، وحثت الجميع على الأخذ بالقيم المرتبطة به والعمل بمقتضاها، إنما على قاعدة "إجعل الحقيقة َتحارب ذاتها بدل أن تحاربها وأنت في المقلب الآخر". وهكذا شوّهت مضمون هذه القيم وصارت تقدّم المفاهيم المتصلة بها على غير حقيقتها، مستفيدةً من قوة تأثير أدوات العصر ومن ضعف القدرة على الملاحظة وقلة الإدراك عند عموم الناس، عداك عن تضاؤل الاهتمام بالمعرفة عموماً.

وبنتيجة ذلك، تشوّه الحق بعد تحوير مفاهيمه ومبادئه فضَعُفَ صفُّه، وأحكمت قوى الباطل سيطرتها على مسار الأحداث في العالم بعد أن صارت قادرة على توجيه الناس ودفعهم في الاتجاه الذي يخدم مصالحها بفعل التضليل الذي مارسته.

في هذا المُؤلّف، نرفع الستار عن لُعبة القيم التي تمارس على الساحة العالمية اليوم كفصل من فصول الصراع الأزلي بين الخير والشر، الحق والباطل، والذي يبدو أنه بلغ أوجَه في السنوات الأخيرة. ونكشف البدع والحيل التي تمارسها هذه القوى لتضليل الناس بغية إخضاعهم وسلب إرادتهم الحرة دون أن يدروا. كما نبين التشوهات التي أصابت بفعل فاعل، أبرز المفاهيم السامية المُستمدة من القيم الإنسانية وهي: الحرية، المساواة، النسوية وحقوق المرأة، الديموقراطية، الحب، التسامح، والاعتدال، ونقدمها على حقيقتها لتكون أداة تحرّر لا أداة ارتهان كما أرادوا لها أن تكون.